دبلوماسية جوزيف ليبسكي.. من الذي أطلق عليه بوتين "خنزير معاد للسامية"؟

أخبار الصحافة

دبلوماسية جوزيف ليبسكي.. من الذي أطلق عليه بوتين
الرئيس الروسي/ فلاديمير بوتين
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/mymi

تحت العنوان أعلاه، كتب أندريه سيدورتشيك في "آرغومنتي إي فاكتي"، حول السفير البولندي لألمانيا في الفترة من 1934-1939، الذي كان على علاقة وطيدة مع هتلر، متوافقا مع سياسته ضد اليهود.

وجاء في المقال:
"تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع الروسية، 24 ديسمبر، عن محاولات إعادة كتابة تاريخ الحرب العالمية الثانية، التي تجري في أوروبا وعبر المحيط.

"كان متوافقا بالكامل مع هتلر"

قال بوتين: "إن بعضا من جيراننا في أوروبا وبلدان أخرى عبر المحيط يحاولون في كثير من الأحيان تشويه التاريخ، ويخرجون ببعض السيناريوهات المذهلة حول تطور الوضع في العالم وفي أوروبا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية".

وفي معرض حديثه عن الوضع قبل الحرب في أوروبا نهاية الثلاثينيات، ذكّر بوتين بالآراء التي كانت تتبناها السياسة البولندية. تابع الرئيس الروسي: "لقد أبلغ هتلر وزير الخارجية، ثم السفير البولندي لألمانيا، بكل صراحة، أن لديه فكرة لإرسال اليهود إلى مستعمرة في إفريقيا.. للتخلص منهم، لإبادتهم. فماذا كانت إجابة السفير البولندي، ثم كتب ذلك في رسالة إلى وزير خارجيته، السيد بيك: "عندما سمعت ذلك.." أجاب الفوهرر، هتلر، أنه "إذا ما فعل ذلك، فسوف سنقيم له نصبا تذكاريا رائعا في وارسو". إنه وغد، خنزير معاد للسامية، ولا يمكن قول غير ذلك. كان متضامنا بالكامل مع رؤية هتلر المعادية للسامية، وعلاوة على ذلك، نكاية في اليهود، وعده بإقامة نصب تذكاري في وارسو". هكذا كان رد بوتين العاطفي على هذه الحكاية التاريخية.

فمن هو ذلك الشخص الذي حصل على هذا الوصف من فلاديمير بوتين؟

نحن نتحدث عن جوزيف ليبسكي، السفير البولندي إلى الرايخ الثالث في الفترة من 1934-1939، والذي قدم إلى وزير الخارجية البولندي آنذاك، جوزيف بيك، تقريرا عن تفاصيل اجتماع استمر ساعتين مع هتلر، ووزير الخارجية الألماني، رينتروب، في ذلك اليوم. ناقش المجتمعون "أزمة إقليم السوديت"، لكنهم تطرقوا أيضا إلى "القضية اليهودية"، التي كتب عنها ليبسكي على النحو التالي: "لقد طرأت على هتلر فكرة لحل القضية اليهودية عن طريق الهجرة إلى مستعمرة بالتنسيق ما بين بولندا وهنغاريا وربما رومانيا (حينها أجبته، إذا ما حل هذه القضية، فسنقيم له نصبا تذكاريا رائعا في وارسو...)".

وهذه الوثيقة ليست سرا، وقد نشرت عام 1981 في الاتحاد السوفيتي ضمن مجموعة من "وثائق ومستندات عشية الحرب العالمية الثانية. 1937-1939"، والتي نشرتها دار "بوليت إزدات" Politizdat.

ولد ليبسكي في الإمبراطورية الألمانية وتخرج من جامعة لوزان، ليبدأ العمل في وزارة الخارجية البولندية عام 1925، وكان دبلوماسيا من أنصار التقارب مع ألمانيا، وفي عام 1934 أصبح من بين من صاغوا اتفاقية "عدم استخدام القوة بين ألمانيا وبولندا"، الشهيرة باتفاقية "بيلودسكي-هتلر"، وأحيانا ما يطلقون عليها اتفاقية "فون نيرات-ليبسكي"، لتوقيعها ما بين وزير الخارجية الألماني قنسطنطين فون نيرات والسفير البولندي آنذاك ليبسكي في 26 نوفمبر عام 1934.

التحالف البولندي الألماني ومرارة خيبة الأمل

كانت تلك الاتفاقية هي الأولى في سلسلة الاتفاقيات التي عقدتها ألمانيا النازية، وكانت في واقع الأمر عبارة عن محاولة لنسف أي تكتل أوروبي واحد ضد هتلر. وكانت العلاقات بين بولندا وألمانيا النازية منذ عام 1934 وحتى مطلع عام 1939 ممتازة، حيث شاركت بولندا، كما هو معروف، في تقسيم تشيكوسلوفاكيا، عقب "تواطؤ ميونخ"، وكان لليبسكي دورا فعالا في ذلك.

كان استقبال ليبسكي حافلا، وكان ضيفا عزيزا على جميع قادة الرايخ الثالث، بدءا من هتلر. وفي عام 1937 عرض للمرة الأولى الفيلم الألماني "الطريق إلى الحرية" والذي حظي العرض الأول له بصدى إعلامي واسع، ويناقش قضية الانتفاضة البولندية ضد الإمبراطورية الروسية. وتم تصوير الفيلم في بولندا بمشاركة العديد من أفواج الفرسان البولنديين في المجاميع. وساهم ليبسكي في تعزيز العلاقات الحليفة بين البلدين على كافة المستويات الممكنة، بدءا من العلاقات الدبلوماسية، وانتهاء بالعلاقات الثقافية.

لكن ليبسكي أصيب بخيبة أمل مريرة عام 1939، عندما قام "أصدقاء برلين الأعزاء" وحلفاء الأمس بمطالبة بولندا بما يسمى بـ "ممر دانتسيغ". من المدهش أن السفير البولندي كان متأكدا حتى النهاية، أن هتلر يبالغ في تهديداته، ولن تتحول التهديدات إلى عمليات عسكرية بأي حال من الأحوال. وفي 31 أغسطس عام 1939، أعلن وزير الخارجية الألماني، ريبينتروب، خلال لقائه بليبسكي، أنه لا يستطيع مناقشة قضايا التسوية السلمية للنزاع معه، لافتقار السفير البولندي لأي صلاحيات. وفي اليوم التالي بدأت الحرب.

"اليهود إلى مدغشقر!"

فيما يتعلق بآراء ليبسكي المعادية للسامية بشكل علني، لم تكن تقتصر عليه وحده، وإنما كانت تشمل النخب البولندية بصفة عامة. ففي منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، أعلن عن شعار "اليهود إلى مدغشقر!" في بولندا، حيث اقترح القوميون آنذاك اللجوء إلى الترحيل الجماعي لليهود، للتخلص من "النفوذ اليهودي". واقترح آنذاك الوزير الفرنسي لأقاليم ما وراء البحار، ماريوس موت، أن تكون مدغشقر، وهي مستعمرة فرنسية، هي الوجهة التي يتم نقل اليهود إليها.

وقد أيّد ليبسكي مباشرة فكرة إعادة توطين اليهود، وكذلك وزير الخارجية البولندي، جوزيف بيك. وتكونت مجموعة عمل لحل القضية اليهودية في بولندا، والتي قدّمت في ديسمبر عام 1936 مذكرة بعنوان "الهجرة اليهودية والقضايا الاستعمارية"، أكّدت فيها على زيادة عدد السكان اليهود في بولندا، وارتفاع معدل خصوبة اليهود عن الشعب البولندي، وهيمنتهم على الصناعة، ووضعهم المادي المرتفع بالنسبة للسكان البولنديين.

وفي عام 1937، قامت لجنة الحكومة البولندية برئاسة الرائد، ميتشيساو لوبيكي، بزيارة مدغشقر بمشاركة ممثلين عن المنظمات اليهودية. لم يتفق الطرفان في وجهات النظر، فاعتقد البولنديون أنه من الممكن استيعاب ما يصل إلى 60 ألف مهاجر يهودي على الجزيرة، بينما قال ممثلو المنظمات اليهودية، إن الحديث لا يمكن أن يدور عن أكثر من ألفي شخص.

لم تنفذ الخطة الفاضحة، لكن الألمان استحوذوا عليها، وفي صيف عام 1940، بعد هزيمة فرنسا، أعيد النظر في إعادة التوطين الجماعي لليهود في مدغشقر، ولكن كان الحديث يدور حول ملايين اليهود الأوروبيين على أعلى مستوى في قيادات الرايخ الثالث، بما في ذلك هتلر وهملر، وكان المنوط به تطوير الخطة، مع الحزن والأسى، الشهير أدولف آيخمان.

ألغي المشروع بسبب الوضع العسكري، الذي لم يسمح بإعادة التوطين من الناحية العملية، فلم يكن لدى ألمانيا ما يكفي من السفن لنقل اليهود، فاعتمد الرايخ الثالث خطة إبادة السكان اليهود في أوروبا بالكامل.

ليبسكي ينجو من الحرب ويقضي أيامه الأخيرة في واشنطن

بعد هزيمة ألمانيا لبلاده، انتقل وزير الخارجية البولندي، بيك، إلى رومانيا، حيث تم اعتقاله هناك، وتوفي عام 1944 بمرض السل. أما بالنسبة لليبسكي، فقد تمكن من النجاة من الحرب العالمية الثانية، بعد أن وجد نفسه بعد الهجوم الألماني على بولندا في فرنسا، فتطوع الدبلوماسي للخدمة في إحدى وحدات القنابل اليدوية، التي تأسست عام 1939، والتابعة لما سمي بـ "الحكومة البولندية في المنفى". هزمت تلك الوحدة من الألمان أثناء معركة فرنسا. نجا ليبسكي من الموت، وأصبح أحد أعضاء هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة البولندية في الغرب. وبعد تحرير بولندا من قبل الجيش الأحمر والقوات البولندية التي تم تشكيلها في الاتحاد السوفيتي، أصبح وضع الحكومة البولندية في المنفى، وقواتها المسلحة غير مستقر. وفي نهاية المطاف اعترف الغرب بالحكومة الجديدة الموالية للاتحاد السوفيتي في وارسو، وتمكن من حل القوات البولندية في أوروبا الغربية.

لم يرغب ليبسكي في العودة إلى بولندا، بعد ما فكر على نحو منطقي، أن أحدا لن يستقبله بحماس في وطنه، أما الحكومة البولندية في المنفى، فعلى الرغم من فقدان كل النفوذ والاعتراف في العالم، استمرت في الوجود الرسمي في لندن، وفي 1951، تم تعيين ليبسكي ممثلا لهذه الحكومة في الولايات المتحدة الأمريكية. 

وتوفي "الوغد" و"الخنزير المعادي للسامية"، عن عمر يناهز 64 عاما في نوفمبر عام 1958، بمدينة واشنطن".

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا