بوتين وبايدن.. احترام متبادل وقمة التحلّي بالمسؤولية

أخبار الصحافة

بوتين وبايدن.. احترام متبادل وقمة التحلّي بالمسؤولية
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/rxcu

بعد نهاية القمة الافتراضية بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأمريكي، جو بايدن، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، عن عقوبات جديدة على روسيا.

قال سوليفان في مؤتمر صحفي، عقد مساء يوم انعقاد القمة الافتراضية بين الرئيسين، الثلاثاء 7 ديسمبر، إن الرئيس الأمريكي أخبر الرئيس بوتين مباشرة أنه في حال غزو روسيا لأوكرانيا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيين سيردّون بإجراءات اقتصادية قوية. هذا إلى جانب توفير عتاد إضافي للأوكرانيين، يتجاوز ما تقدمه الولايات المتحدة بالفعل، كما ستقوم بتحصين حلفائها في "الناتو" على الجانب الشرقي بقدرات إضافية، رداً على مثل هذا "التصعيد".

وكان الكونغرس قد رفع المساعدات السنوية للجيش الأوكراني بـ 300 مليون دولار، وهي قفزة بنسبة 20% عن مطالب بايدن الأولى، وذلك إلى جانب ما يقرب من 600 مليون دولار إضافية في مبادرة الردع الأوروبية، المصممة لمساعدة أوروبا على ردع "العدوان الروسي".

نذكر هنا أن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" قد منحت أوكرانيا، 11 يونيو الماضي، حزمة مساعدات بقيمة 150 مليون دولار، لتعزيز القوة الفتاكة والقيادة والسيطرة والإحاطة بالوضع للقوات الأوكرانية، تشمل رادارات دفاع ضد المدفعية، ومعدات اتصال وحرب إلكترونية، وأنظمة مكافحة الطائرات بدون طيار، إلى جانب التدريب العسكري. نذكر كذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت لأوكرانيا أكثر من 2.5 مليار دولار من المساعدات الأمنية منذ 2014.

ولكن، وفي الوقت نفسه، قال سوليفان أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين سينخرطون في مناقشة تغطي قضايا استراتيجية أكبر، بما في ذلك مخاوف الاستراتيجية الأمريكية مع مخاوف روسيا الاستراتيجية. وقال: "لقد تمكنّا من القيام بذلك في ذروة الحرب الباردة، وطوّرنا آليات للمساعدة في تقليل عدم الاستقرار وزيادة الشفافية، من خلال مجلس الناتو وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وغيرها من الآليات. ولا يوجد سبب يمنعنا من القيام بذلك، والمضي قدماً، شرط أن نعمل في سياق خفض التصعيد والدبلوماسية".

وأعرب سوليفان عن استعداد بلاده لدعم الجهود المبذولة لدفع اتفاقية مينسك ودعم صيغة نورماندي لتسوية الأزمة الأوكرانية، ما يمكن أن يشمل وقف إطلاق النار، وغيرها من تدابير بناء الثقة، التي تساعد على دفع تلك العملية إلى الأمام. بينما أكد سوليفان، في تصريحاته، على أن إدارة الرئيس بايدن، منذ بداية عملها، تعتقد أنه لا بديل عن الحوار المباشر بين القادة، وفيما يتعلق بالخطوات التالية فقد اتفق الرئيسان على أن مجموعة عمل من الجانبين سوف تتابع القضايا التي تمت مناقشتها في القمة الافتراضية.

من جانبه صرح الكرملين بأن المحادثات بشكل عام كانت صريحة وعملية، وتطرقت بشكل خاص إلى تنفيذ نتائج القمة الروسية الأمريكية، المنعقدة في جنيف، يونيو 2021، حيث تمت الإشارة إلى أهمية التنفيذ المتسق مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها على أعلى المستويات، والحفاظ على "روح جنيف" حين النظر في قضايا العلاقات الثنائية، وغيرها من المشكلات الناشئة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

كذلك، وفي هذا السياق، تذكّر الرئيسان تحالف روسيا والولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية، مؤكّدين على ضرورة عدم نسيان التضحيات التي قُدّمت آنذاك، وأن يكون ذلك التحالف نموذجاً لبناء الاتصالات والعمل معاً في ظل الواقع الراهن.

أعرب الرئيس الروسي، عن قلقه بشأن الإجراءات الاستفزازية التي تتبعها كييف ضد إقليم الدونباس، وكذلك أوضح، باستخدام أمثلة محددة، العراقيل التي تضعها كييف، والتي تهدف إلى التفكيك الكامل لاتفاقيات مينسك، التي تم التوصل إليها في "صيغة نورماندي"، مشدّداً على أنه لا ينبغي نقل المسؤولية إلى أكتاف روسيا، التي تتبنى سياسة سلمية دفاعية ضد ما يمارسه "الناتو" من محاولات خطيرة بناء إمكاناته العسكرية على الحدود الروسية، وهو ما يمثل خطاً أحمر للأمن القومي الروسي.

وكانت مطالب بوتين واضحة بشأن الحصول على ضمانات موثوقة وثابتة قانوناً، تستبعد توسّع الناتو شرقاً، ونشر أنظمة أسلحة هجومية في الدول المجاورة لروسيا.

اعترف الرئيسان بأن التعاون الثنائي بين البلدين لا زال عند حدوده الدنيا، وفي حالة غير مرضية، وهو ما يتجلى خاصة في الصعوبات التي تواجهها البعثات الدبلوماسية في كلا البلدين. شدد فلاديمير بوتين على أن ذلك إنما يأتي نتيجة للمسار الذي تتبعه السلطات الأمريكية، التي بدأت منذ خمس أعوام في ممارسة قيود واسعة النطاق، وحظر، وطرد جماعي للدبلوماسيين الروس، وهو ما تضطر روسيا للرد عليه بالمثل. اقترح الجانب الروسي إلغاء جميع القيود المتراكمة على عمل البعثات الدبلوماسية، والتي يمكن أن تعمل كذلك على تطبيع جوانب أخرى من العلاقات الثنائية.

في النهاية أعرب الرئيسان عن تفهمها لمسؤوليتهما الخاصة عن الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، حيث ستواصل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية الحوار والاتصالات.

عبّر الرئيس بايدن عن تفاؤله بأن الولايات المتحدة قد تجري محادثات رفيعة المستوى مع الحلفاء بحلول يوم الجمعة، 10 ديسمبر، لمناقشة مخاوف روسيا مع "الناتو"، بما في ذلك ما إذا كان من الممكن للجانبين التوصل إلى "تسوية ما" على طول الجبهة الشرقية لأوكرانيا. كذلك، وبالتزامن، نشرت اللجنة المختصة في مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون حول الميزانية الدفاعية للولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتضمن أي عقوبات ضد مشروع خط أنابيب "السيل الشمالي-2" الروسي الألماني لنقل الغاز.

لم يكن أحد يتوقع أن تسفر القمة الافتراضية بين بوتين وبايدن عن أي نتائج خارج سياق العلاقات المتردّية بين البلدين، والتي عبر عنها الزعيمان بوصفها "غير مرضية"، والرئيس بوتين يقدّر جيداً الظروف التي تمرّ بها الإدارة الأمريكية، ومدى دقة التوازنات الداخلية التي تموج بها الساحة السياسية الداخلية، والتي تدفع السياسة الخارجية للولايات المتحدة في كثير من الأحيان إلى اتخاذ إجراءات غير بناءة، تضرّ ليس فقط بالعلاقات الثنائية الروسية الأمريكية، وإنما أحياناً قد تضرّ بمصلحة الولايات المتحدة على المدى البعيد.

في ظل المعطيات التي توفرت لهذه الجولة من المحادثات بين الرئيسين، أجد اللقاء جيداً، تمكّن من خلاله الرئيس بوتين، من عرض مخاوف روسيا بشكل واضح، وجاءت مطالبه منطقية وعادلة، فيما يخص حق روسيا في الدفاع عن أمنها القومي، وكذلك فيما يخص الضغط على أوكرانيا للرضوخ لبنود اتفاقيات مينسك، والعودة إلى طاولة المفاوضات، ووقف أوهام القوة والغطرسة وتجنب العنصرية في التعامل مع مواطني الدولة الأوكرانية التي يقطنها ملايين المتحدثين باللغة الروسية، والمنتمين إلى الثقافة الروسية.

أعتقد أن من بين أهم النتائج لهذه القمة أن واشنطن قد بدأت في الاقتناع بأهمية اتفاقيات مينسك، وضرورتها في تسوية الأزمة الأوكرانية. وأتمنى أن يسهم ذلك في خفض حدة الأصوات الشاذة من الطرفين، ممن يدفعون بالأمور نحو حافتها المخيفة، التي تهدد القارة الأوروبية بأكملها، وأظن أن المسؤولين في مؤسسات الدولة ووزارة الدفاع الروسية يرون بارقة أمل في الحوار الأخير، وسيعملون على تخفيف حدة التوتر على الجبهة الغربية، وفتح المجال لأجواء جديدة إيجابية في العلاقات.

ولعل الخطوة الأولى على هذا الطريق، والتي أتوقع أن يتم الاتفاق عليها في المستقبل القريب، هي إنهاء أزمة الدبلوماسيين، وإعادة الممتلكات الروسية من أبنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعدّ بداية لعمل المتخصصين لإيجاد قنوات دبلوماسية وصيغ قادرة على حلحلة الأزمات التي تتطلب تدخلاً جراحياً دقيقاً، بعيداً عن أدوات الجزارة الغليظة والعنيفة، التي لم يعد يتحملها الجسد الأوروبي.

لقد تحلّت تلك القمة الافتراضية بين الرئيسين الروسي والأمريكي بالمسؤولية الرفيعة والاحترام المتبادل بينهما، وكذلك التفهم العميق لمدى دقّة وحساسية القضايا التي تقلق أوطانهما.

الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

لحظة بلحظة.. تطورات الهجوم الإرهابي على مركز كروكوس التجاري بضواحي موسكو ومصير الجناة والضحايا