هل تبدأ بولندا في نصب تماثيل لهتلر؟

أخبار الصحافة

هل تبدأ بولندا في نصب تماثيل لهتلر؟
هتلر يحضر قداسا جنائزيا للمارشال بيلسودسكي في برلين
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/n64p

عقب فرض العقوبات على روسيا، بدأ الغرب حملته ضد مكانة روسيا في التاريخ.

اعتمد البرلمان الأوروبي، العام الماضي، قرارا يحمّل مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الثانية للاتحاد السوفيتي وألمانيا على حد سواء. كما نسبت مجلة "دير شبيغل" الألمانية تحرير معسكر اعتقال "أوشفيتز"، إلى القوات الأمريكية والذي حررته القوات السوفيتية. إلا أن بولندا ذهبت مؤخرا إلى ما هو أبعد من ذلك، برفضها الاحتفال بتحرير وارسو من الاحتلال النازي، وهو ما يأتي عقب موجة من تدمير النصب التذكارية الموجودة في أنحاء البلاد للجنود الأبطال السوفيت، الذين شاركوا في تحرير بولندا، ووقع منهم 600 ألف قتيل، ثمنا لتحرير البلاد من براثن الاحتلال الألماني.

لا يتعين أن ننسى أيضا، أن النازي قتل أثناء احتلاله بولندا 5.5 مليون من سكان البلاد، وبصرف النظر عن علاقة السلطة البولندية بالوجود في كتلة تحالف وارسو، أو علاقتها بفلاديمير بوتين الآن، فإن موقفها تجاه من حرّرهم هو موقف وقح.

لكن السؤال المطروح الآن: ترى لماذا قفزت الحرب من أجل التاريخ إلى واجهة الحملة الغربية للحفاظ على عالم أحادي القطب؟

القضية أن الاتحاد السوفيتي كان يمثل محور الشر بالنسبة للقوى الإمبريالية من جانب، لكنه من الجانب الآخر كان داعما لنضال جميع الشعوب الأخرى، التي كانت تسعى للتحرر من الاستعمار الغربي. وروسيا الآن، بتحديها للولايات المتحدة الأمريكية، تلعب من جديد، دون قصد، الدور الخطير الذي سبب ولا زال يسبب الكراهية من جانب الغرب منذ الحقبة السوفيتية.

بالعودة إلى التاريخ:

كانت انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما من القوى الإمبريالية الأخرى تنظر إلى هتلر بوصفه الخصم الرئيسي ضد الاتحاد السوفيتي، وقد كان كذلك، وهو الوضع الذي اختاره. فالغرب أدرك فعليا أن تعزيز قدرات الاتحاد السوفيتي، سوف يؤدي إلى دعم نضال الشعوب في مستعمرات الدول الغربية من أجل الاستقلال، وهو ما حدث لاحقا.

هل تبدأ بولندا في نصب تماثيل لهتلر؟رئيس الوزراء البريطاني، تشمبرلين، يصافح هتلر قبل توقيع "اتفاق ميونيخ"

وفي هذا السياق، سمح الأنغلوساكسون لألمانيا بتعزيز قوتها العسكرية، التي قيدتها معاهدة فرساي، التي ولم يتبق سوى إرسال هتلر نحو الشرق، وهو ما تم نتيجة لما سمي بـ "تواطؤ ميونخ" في 30 سبتمبر 1938، عندما وافقت كل من انجلترا وفرنسا وإيطاليا على ضم ألمانيا لإقليم السوديت في تشيكوسلوفاكيا.

كان للاتحاد السوفيتي، مثل فرنسا، اتفاقات للمساعدات المتبادلة مع تشيكوسلوفاكيا، إلا أن فرنسا كانت من بين الدول التي وافقت على الضم. عرض ستالين المساعدة، لكن تشيكوسلوفاكيا رفضت، لأن بريطانيا وفرنسا آنذاك صرحا بأن "وحدة التشيك مع الروس، يعطي الحرب طابع الحرب الصليبية ضد البلاشفة. عندها سيكون من الصعب على حكومتي انجلترا وفرنسا الابتعاد".

أي أنه كان من الممكن أن يصبح عام 1938 عام اندلاع الحرب العالمية الثانية، وساعتها كانت كل من انجلترا وفرنسا وبولندا إلى جانب هتلر ضد تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي.

وهنا نأتي إلى دور بولندا، التي تلقي باللوم الآن، جهارا نهارا، على الاتحاد السوفيتي في اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية.

لقد تسبب الاستفزاز الألماني في الأزمة الأولى لإقليم السوديت، في ربيع عام 1938، عندما أرسلت القوات الألمانية إلى الحدود مع تشيكوسلوفاكيا، ثم أعلنت بولندا أنها ستعلن الحرب على الاتحاد السوفيتي، إذا حاول إرسال مساعدات إلى تشيكوسلوفاكيا عبر أراضيها.

بعد توقيع "تواطؤ ميونخ"، احتل هتلر على الفور إقليم السوديت في جمهورية التشيك، وبالتوازي مع هجوم القوات الألمانية، اقتحمت القوات البولندية جمهورية التشيك، واحتلت منطقة تيشينو في تشيكوسلوفاكيا. ثم انفصلت سلوفاكيا عن تشيكوسلوفاكيا وطلبت على الفور من هتلر إنشاء محمية ألمانية، كذلك احتلت هنغاريا جزءا من أراضي تشيكوسلوفاكيا، والتي قاتلت فيما بعد إلى جانب هتلر في الحرب العالمية الثانية، ثم احتلت ألمانيا بقية التشيك.

لم تكن مشاركة بولندا في تقسيم تشيكوسلوفاكيا مصادفة، فقد كانت بولندا وألمانيا النازية حليفتين منذ عام 1934، وتم توقيع معاهدة الحياد بين هتلر والديكتاتور البولندي بيلسودسكي في ذلك العام، وبعد ذلك ركّزت بولندا بشكل متزايد على ألمانيا في سياستها الخارجية. وبالعودة إلى المراسلات الدبلوماسية السوفيتية والفرنسية لتلك الفترة، يأتي ذكر الملحق السري لميثاق هتلر-بيلسودسكي، الذي أقام علاقة تحالف بين ألمانيا النازية وبولندا. وعلى الرغم من عدم العثور على ذلك الملحق السري في الأرشيفات، إلا أن الدبلوماسيين الفرنسيين والسوفيت كانوا واثقين من وجوده. وأشاروا إلى السلوك البولندي المتقلب بشكل حاد، ورفض التعاون ومساعدة فرنسا والاتحاد السوفيتي لضمان سلامتهم، والتي لا يمكن تفسيرها سوى بضمانات من هتلر.

وصل الأمر إلى مناقشة وزير الخارجية البولندي، بيك، مع نظيره الألماني، ريبنتروب، يناير 1939 الإجراءات المشتركة ضد الاتحاد السوفيتي، ولم يخف الوزير البولندي حينها رغبة بولندا في الحصول على أوكرانيا والوصول إلى البحر الأسود.

لقد كانت علاقات التحالف ما بين بولندا وألمانيا النازية متقاربة لدرجة أن هتلر أمر بتنظيم قداس ديني، في برلين، عقب وفاة بيلسودسكي، وكان هتلر شخصيا حاضرا في ذلك القداس، وهي حالة استثنائية.

إن التاريخ الرسمي لبداية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا هو عام 1939، مع غزو ألمانيا لبولندا، وإعلان الحرب من جانب إنجلترا وفرنسا. وقد اختير هذا التاريخ لعدة أسباب، حيث يشعر الغرب بالخجل من تعاونه مع هتلر أثناء تقسيم تشيكوسلوفاكيا، كما أن الاتحاد السوفيتي هو الآخر لم يكن يفضل أن يظهر حلفاؤه، بولندا والمجر، بمظهر المتورطين مع هتلر. لذلك مكّن هذا التاريخ من تجنب كل هذه الأحرف الحادة، وبدء تاريخ الحرب من غزو بولندا، التي أصبحت بالتالي ضحية، وليست حليفا لهتلر، على الرغم من مناقضة ذلك للحقائق التاريخية.

من الواضح أن تاريخ بداية الحرب العالمية الثانية هو أمر افتراضي إلى حد كبير، حيث توسعت دائرة المشاركين في الحرب تدريجيا، إلا أن تاريخ الحرب لم يكن الاحتلال الألماني لبولندا، وإنما كان تقسيم تشيكوسلوفاكيا هو البداية الحقيقية للنزاع العسكري، والذي بدأ في مرحلة معينة من اكتساب طابع الحرب العالمية الثانية، التي شاركت بولندا في بدايتها إلى جانب ألمانيا النازية.

وهذا ما يفسر حماسة وارسو الآن في محاولة إلقاء اللوم على الاتحاد السوفيتي، والمضي قدما في هذا الاتجاه أكثر من الغرب، بـ "ملكية أكثر من الملك".

هناك توجه في الغرب، يسعى للمساواة بين النازية والشيوعية، لتكون الخطوة التالية، إعادة تأهيل النازية باعتبارها الخصم الرئيسي ضد "روسيا الشيوعية". هذا بالضبط ما نراه في أوكرانيا، التي زرع فيها الغرب، عقب الانقلاب هناك عام 2014، بمساعدة المقاتلين النازيين، قفازاتهم التي يديرون بها الأمور. ولا زال التاريخ يمضي في  دوائر.

على أية حال، فإن بولندا تدين بجزء كبير من أراضيها لستالين، الذي نقل ملكية معظم بروسيا الشرقية وعددا من الأراضي الألمانية الأخرى إلى السلطة البولندية. لذلك أعتقد أن المنطق يلزم بولندا بأن تبدأ في محاربة الإرث الشيوعي بنفسها، وتعيد الأراضي الألمانية، التي حصلت عليها بفضل الاتحاد السوفيتي، لأصحابها الألمان.  ولتعترف بعد ذلك بدورها في بداية الحرب العالمية الثانية، ثم بعد ذلك يكون لها الحق في تلقين الآخرين دروسا في الأخلاق.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

لحظة بلحظة.. تطورات الهجوم الإرهابي على مركز كروكوس التجاري بضواحي موسكو ومصير الجناة والضحايا